ستة أسباب تفسر إختلاف دخول العيد في نجران
التعليقات مع نهاية كل شهر رمضان على المذهب الاسماعيلي في نجران كثيرة، وذلك بسبب اختلاف موعد العيد.
وقبل تحليل سبب اختلاف توقيت صيامهم وعيدهم عن ركب المذاهب والأمم من حولهم فدعونا نتذكر أن غيرهم من سائر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها يختلفون أيضا فيما بينهم على توقيت صيام الشهر وعيد الفطر، علما أن القمر واحد وشهر رمضان واحد والعيد واحد.
وقبل سرد ادلة اهل نجران على صحة تقويمهم، حريُ بنا أن نتذكر ثلاث خصائص تميز بها أهل نجران عن غيرهم:
- سجود النبي صلوات الله عليه فرحاً بدخولهم للإسلام
- قصيدة مديح من الامام علي عليه السلام
- وذكرهم في القرآن الكريم
فتشهد سورة البروج على إيمان أجدادهم المسيحيين في محرقة الاخدود التاريخية التي أوقعها ذو نواس الملك اليهودي الحميري في سنة 520 ميلادي وصبرهم واحتسابهم وتضحيتهم لأنفسهم بالحريق والموت شهداء على دين ذلك الوقت ولاء وحباً لله وبنبينا سيدنا عيسى، وقد ذُكر إنه يتنزل على نجران ومنذ ذلك الوقت حتى يومنا هذا سبعون الف ملك في اليوم والليلة تستغفر لأجدادهم المؤمنين الذين فضلوا الشهادة حرقاً على الرجوع عن دين الله.
عندما ظهر الإسلام كانت همدان التي ينتمي لها أغلب أهل نجران القبيلة الوحيدة التي أسلمت بالكامل في يوم واحد على يد سيدنا الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
عندها أرسل الإمام علي بن أبي طالب كتاباً إلى رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – بإسلامهم ، فلما قرأ – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – الكتاب خرّ ساجداً ثم رفع رأسه فقال : السلام على همدان ثم تتابع أهل اليمن ونجران على الإسلام وقال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – نعم الحي همدان ما أسرعها إلى النصر ، وأصبرها على الجهد ، وفيهم أبدال وفيهم أوتاد الإسلام. وهذه شهادة يعتز بها كل نجراني كيف لا وهي شهادة سيدنا محمد افضل الانبياء والمرسلين.
وقد قال فيهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بعد أن ناصرته همدان قصيدة ستظل وساماً لهمدان إلى قيام الساعة:
وناديت فيهم دعوة فأجابني فوارس من همدان غير لئام
فوارسٌ من همدان ليسوا بعزّل غداة الوغى من شاكر وشبام
ومن أرحب الشم المطاعين بالقنا ورهم وأحياء السبيع ويام
لهمدان أخلاقٌ ودين يزينهم ولينُ إذا لاقوا وحسن كلام
متى تأتهم في دارهم لضيافة تبت عندهم في غبطةٍ وطعامِ
ألا إنَّ همدان الكرام أعزةٌ كما عز ركن البيت عند مقام
أناسٌ يحبُّونَ النبيَّ ورهطه سراع إلى الهيجاء غير كهام
إذا كنت بواباً على باب جنةٍ أقول لهمدان ادخلوا بسلام
فلا غرابة أن يكون لهم حظوة في معرفة أكثر عمقاً لعلوم وحسابات دخول الاشهر والتي خص الله بها الانبياء والائمة ومن تبعهم بإحسان.
وبعد هذه المقدمة، اليكم ادناه ستة أسباب وأدلة يعتمد عليها اهل نجران في دخول الاشهر ومنها دخول شهر شوال (عيد الفطر):
اولا: حساب لمعرفة دخول الأشهر والسنون:
يستدل أهل نجران على الآيات التالية لحساب معرفة دخول الأشهر والسنون، حسب ما وصلهم من معرفة واحاديث عن النبي نقلها عنه الائمة صلوات الله عليهم، اما رؤية الهلال فهذا أمر يأتي في المرحلة الثانية للتوثيق، والآيات الكريمة هي:
١– “وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب“
٢– “ان عدة الشهور عند الله اثناعشر شهرا“
٣-“يسئلونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس“
ثانيا: رؤية الهلال
تأويل الحديث النبوي “صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته“، هذا الحديث الشريف يوضح لنا أهمية الرؤية في تحديد بداية الأشهر القمرية،ويفسره أهل نجران بفهم سيبويه في اللغة. والسر في هذا الحديث هو أمرين هامين:
١- تقديم الفعلين “صوموا“و ” افطروا” على الرؤية
فلم يقل النبي صلوات الله عليه “تحروا الهلال ثم صوموا وافطروا” بل قدم الصيام على تحري الهلال حيث قال “صوموا لرؤيته” “وافطروالرؤيته” والنبي عليه السلام أفصح العرب ولم يقل الحديث بهذا الترتيب عبثاً
:”٢- حرف “اللام
لم يقل النبي صلوات الله عليه: صوموا “عند” رؤيته أو صوموا “بعد” رؤيته. والنبي الكريم ذكر “اللام” لنفس السبب الذي ذكر الله عز وجل في كتابه الكريم موعد صلاة المغرب (وقيل الزوال) حين قال سبحانه في القرآن الحكيم: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} ، فلماذا لم يقل الله جل وعلا واقيموا الصلاة “عند” الدلوك أو “بعد” الدلوك. والقرآن كما هو معروف نزل بلسان عربي مبين.
فاللغة العربية، بكل ثرائها ودقتها، تحمل في طياتها تفاصيل وفروقات تعبر عن أغراض ومعاني دقيقة. ومن ضمن هذه الفروقات ما يتعلق بالكلمات “عند“، “بعد“، و“لِ“، التي تبدو للوهلة الأولى متشابهة، لكنها في الحقيقة تحمل دلالات واستخدامات مختلفة.
الكلمة الأولى: “عند“:
كلمة “عند” تستخدم للإشارة إلى الزمان أو المكان الذي يحدث فيه شيء ما. فهي ترسم حدوداً مكانية أو زمنية تشير إلى نقطة معينة. فعندما نقول “سأكون عند باب المدرسة في الساعة الثامنة صباحاً“، نحن نحدد موقعاً وزماناً محددين للقاء.
الكلمة الثانية: “بعد“:
“بعد” كلمة تدل على الزمن الذي يلي حدثاً معيناً، وتستخدم للإشارة إلى ترتيب الأحداث في الزمن. عندما نقول “سألتقي بك بعد الظهر“،نشير إلى فترة زمنية تتبع زمناً آخر معلوم.
الكلمة الثالثة: “لِ“:
أما “لِ” فهي حرف جر يستخدم للدلالة على الغرض أو الهدف من عمل ما، ويمكن أن يشير أيضاً إلى الانتماء أو التملك. عندما نقول “ذهبت إلى السوق لشراء الخضروات“، نستخدم “لِ” للدلالة على الهدف من الذهاب إلى السوق. واذا لم أشتري الخضروات فهذا لا يعني عدم ذهابي للسوق. ولكن لو قلت “ذهبت إلى السوق عند شراء الخضروات“، فهذا يعني شراء الخضروات حدث مؤكد أولي، والذهاب إلى السوق أمر ثانوي. وفي السياق الديني للحديث والآية الكريمة يأتي استخدام كلمة “لِ” ليحمل دلالة تتعلق بالغايات والأهداف في سياق يؤكد أن الصيام والصلاة لها أوقات ثابتة محددة والدلوك و الرؤية أمر ثانوي للتأكد من صحة التوقيت.
ومن هذين الأمرين: تقديم الفعل (الصيام) و (الصلاة) واستخدام حرف اللام نفهم ان الاولى بِنَا ان نصلي اولا ثم نستدل على الصلاة في وقتها بغروب الشمس وكذلك ان نصوم اولا ثم نستدل على دخول الشهر بالهلال. فلو كانت السماء ملبدة بغيوم سوداء طوال اليوم من قبل الزوال حتى بعد الغروب، ويستحيل رؤية دلوك الشمس (غروب الشمس) فهل نؤجل الصلاة لليوم التالي، أم إننا نقيم الصلاة بسبب حساب التوقيت الذي تساعدنا في معرفته الساعات (جمع ساعة)، وكذلك الأمر ينطبق على رؤية الهلال، فإذا كان يصعب رؤيته بسبب غيوم أو كسوف الشمس فهذا لا يعني عدم دخول الوقت، فدخول الأشهر لها مواقيت وتعتمد على حركة القمر والشمس ولها جميعا حساب وبرمجة حتى لو كانت السماء ملبدة بالغيوم.
ثالثا: أركان الدين الاسلامي
يؤمن أهل نجران بما أن الصلاة والصيام والحج أركان ديننا الحنيف، فلن يتركنا الله الذي خلق كل شيء بقدر وحدد كل عباداتنا بدقة متناهية من عدد اشواط الطواف إلى عدد ركعات الصلاة وكيفية الوضوء ومواقيت الحج بمواقيت وتكرار دقيق جداً للتخبط وضياع ثلاثة من أركان الدين (الصلاة والصيام والحج)، والدليل على التخبط هو اختلاف الدول الاسلامية كل عام، فلم يمر عام صامت أو عيدت فيه الامة في نفس التوقيت، مع أن السماء واحدة والهلال واحد! وبالتالي فإن حجتهم هي وجوب معرفة الأوقات حسابيا ومن ثم يأتي التوثيق الثاني من خلال رؤية الهلال، ولكن التوثيق الرئيسي يأتي نتيجة الحساب في معرفة مواقيت الصلاة و الصيام والحج. ونتيجة لطريقة الحساب يعرف أهل نجران متى يدخل شهر رمضان وشهر الحج او أي شهر لأي عام في المستقبل حتى لو كان بعد الف عام، ويصومون لرؤية الهلال بعد دخول الشهر للتثبت من صحَّة الحساب.
رابعاً: انواع الرؤية
إن الرؤية لها نوعين أو زوجين أو قسمين قسم حسي و حقيقي. ويدلل على ذلك خلق الله من كل شئ زوجين اثنين فقد خلق سبحانه الدنيا والاخرة ، الجنة والنار، الحق والباطل، الليل والنهار، الحياة والموت، الذكر والأنثى، والباطن والظاهر، والتنزيل والتأويل، والجسد والروح، وكذلك خلق الله الحسي والحقيقي. والرؤية منها زوجين حسي وحقيقي ولو قمنا بتجربة فيزيائية وأخذنا من البحر مقدار برميل من الماء فلن يتم ملاحظة نقصان ماء بقدر هذا البرميل من البحر، وهذا يثبت الرؤية الحسية ، ولكن فيزيائيا (حقيقياً) فبكل تأكيد قد نقص البحر بمقدار برميل من الماء، وهنا يتسنى لنا معرفة ان الرؤية الحسية تغلبت على الرؤية الحقيقية لأن البحر كما هو حسيا لم ينقص منه شئ، والأمر ذاته ينطبق على الرؤية للهلال فالمقصود بها الرؤية الحسية ولا يعتمد عليها عمليا الا بعد دخول الشهر حسابيا. باختصار، يمكن القول إن الرؤية الحسية للهلال هي الأساس في التحديد العملي لبداية الشهر الهجري، بينما الرؤية الحقيقية تكون في الجانب الحسابي الذي يعتمده اهل نجران. وبهذا يظهر أن الرؤية الحقيقية للهلال ليست معياراً مثلها مثل أخذ مقدار البرميل من الماء، بل هي رؤية حسية في المقام الأول. تأتي هذه النقطة لتوضح أهمية الفهم الشامل والتوازن بين الجوانب الحسية والحقيقية عند التعامل مع مثل هذه القضايا الدينية والفلكية.
خامسا: ليلة القدر
في حديث “تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر” دليل آخر عند أهل نجران أن شهر رمضان دائما وأبدًا ثلاثين يوم وثلاثين ليلة. والشهر مقسم لثلاثة أثلاث. الثلث الأول عشر ليال وعشر أيام، وكذلك العشر الثانية، وكذلك العشر الثالثة. ولو كان الشهر ينقص فإن نقصانه يكون في العشر الأواخر، لأن الشهر لا ينقص من أوله وإنما ينقص من آخره، وبما أن النبي صلوات الله عليه أفصح العرب فبالتأكيد أن الحديث يدلل على أن الشهر لا ينقص وأنه دائما ثلاثين يوم وثلاثين ليلة ولو كان عكس ذلك لما قال صلوات الله عليه في الحديث النبوي (تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان) فبإمكانه صلوات الله عليه أن يقول (تحروا ليلة القدر بعد ليلة التاسع عشر من شهر رمضان)، وهوأفصح العرب ويطوع كل حرف لإيصال المعاني بدقة فيما لو كان الشهر ينقص عن ثلاثين يوم.
سادسا: كفارة الإفطار:
قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّـهُ بِمَاتَعْمَلُونَ خَبِيرٌ*فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا}
ولو كان الشهر ينقص عن ثلاثين يوما لما ذكر الله عدد محدد من المساكين فستين مسكين يدلل أن شهر رمضان ٣٠ يوما، ووجب إعادة صيام الشهر بمعدل يومين عن كل يوم أو اطعام مسكينين عن كل يوم.
هذه هي الأسباب الستة التي يعتمد عليها أبناء المذهب الإسماعيلي في نجران، وينبغي احترامهم وتقبلهم فهم كما وصفهم الامام علي في قصيدته أهل ولاء وشجاعة ومثلما فرح بإسلامهم النبي وعبر عن فرحه بسجوده لله شكراً، يجب علينا تركهم في خير، فهم أهل خير.